الاثنين، 26 مارس 2012

مقدمة حول فكر الاخوان المسلمين



الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

( يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (102) آل عمران .

( يَـأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (1) النساء .

( يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) (70،71) الأحزاب .

أما بعد ... فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ... ثم أما بعد:-

لعب فكر الإخوان المسلمين في مصر والجماعة الإسلامية في باكستان دوراً سلبياً مؤثراً فى فكر ومناهج الجماعات والأحزاب الإسلامية المعاصرة في العالم ويتركز هذا الدور المؤثر في ثلاث شخصيات هم حسن البنا وسيد قطب والمودودى ، وأصبحنا ولا مجال للشك في ذلك أمام منهج ومدرسة وطريقة لفهم الدين وفهم الغاية منه .

فهل هذا المنهج ونتائجه الماثلة أمامنا منذ أيام حسن البنا والهضيبي مروراً بسيد قطب وخالد الاسلامبولي والظواهري وسفر الحوالي وسلمان العودة إلى أسامة بن لادن منهج شرعي ثاقب وصحيح لا يجوز الخروج منه أو عليه وأنه أي هذا المنهج هو أمل الأمة المرتقب ؟!!

للإجابة على هذا السؤال ننظر بعينين: عين ناظرة تشاهد النتائج العملية الواقعية ، وعين شرعية فاحصة تعرض هذا المنهج الإخواني على الكتاب والسنة وفهم سلفنا الصالح .

فالعين الأولى: تقول أن الواقع مرير والفرقة زادت والانحراف كبير ، فمثلاً منذ نصف قرن كان عندنا مشكلة فلسطين والآن زاد عليها مشاكل في أفغانستان والشيشان وكشمير والبوسنة والهرسك وغيرها ، كما أن الجماعات زادت والاتجاهات تعددت بعدد زعمائها .

إذن لم يستطع الفكر الإخوانى أن يعالج إنحراف الأمة في العقيدة أو فى السياسة أو في السلوك أو حتى في مشاكلها الحضارية التي تئن بها بل لست مبالغاً إذا قلت أن وراء هذا الانحراف الفكر الإخواني كما سيتبين إن شاء الله تعالى ونستطيع أن نقول من خلال العين الناظرة للواقع أن حدة الصراع بين الدعاة وذوي السلطان زادت وتفاقمت وتنذر بخطر قادم بعد الخطر القائم ، بل تعدى ذلك إلى صراع بين هذه الجماعات والأحزاب الإسلامية بعضها مع بعض ووصل الأمر إلى حمل السلاح وضرب الرقاب وما أفغانستان عنا ببعيدة .

ولا ننسى الجزائر وكل ذلك باسم الإسلام والإسلام من ذلك برئ .

أما العين الشرعية: فهي موضوع هذا الكتاب ليس على سبيل الحصر والشمول وتمام البحث ، وإنما على سبيل المثال والتنبيه على خطورة هذا المنهج الفكري الإخواني الذي كان من نتائجه زيادة حدة الانحراف والخلاف والشقاق فما هذا الكتاب إلا مجرد صوت في ساحة كلها ضوضاء وغوغائية لا تُعطى فرصة للتأمل أو التدبر فيها أو المراجعة للتصحيح والعمل الجاد .

وهنا أذكر ما ذكره الإمام الشاطبي في كتابه "الموافقات في أصول الاحكام 3/202 أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلا بنفسه يوما يسأل كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: يا أمير المؤمنين: إنّا أُنزل علينا القرآن فقرأناه ونحن نعلم فيما نزل وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن ولا يدرون فيما نزل فيكون لهم فيه رأي فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا فإذا اختلفوا اقتتلوا ، قال: فزجره عمر وانتهره فانصرف ابن عباس ونظر عمر فيما قال فعرفه فأرسل إليه فقال: أعد علىّ ما قلت . فأعاده عليه ، فعرف عمر قوله وأعجبه . كما ذكر الشاطبي في نفس المرجع ص 202 من رواية ابن وهب عن بكير ، أنه سأل نافعاً: كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية "فرقة من الخوارج" قال: يراهم شِرار خَلْق الله ، أنهم انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار ، فجعلوها على المؤمنين .

فهذا معنى الرأي الذي نبه ابن عباس عليه ، وهو الناشئ عن الجهل بالمعنى الذي نزل فيه القرآن . وروي أن مروان أرسل بوابه إلى ابن عباس وقال :قل له لإن كان كل امرئ فرح بما أُوتِي وأحبَّ أن يُحمد بما لم يفعل معذباً، لنُعَذَبَنَّ أجمعون . فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية ، إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شئ ، فكتموه إياه وأخبروه بغيره ، فأروه قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم ، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ، ثم قرأ( وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ * لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (187،188) آل عمران

فهذا السبب بين أن المقصود من الآية غير ما ظهر لمروان انتهى كلام الشاطبي .

وكذلك ذكر ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ج2/193 طبعة المنيرية ، أن هلاك الأمة بسبب قوم يتأولون القرآن على غير تأويله الصحيح . أ.هـ

إن تعدد هذه الجماعات والأحزاب لهو أقوى دليل على الخلل وليس كما يصوره البعض أنه ظاهرة دعوية صحية قال تعالى: ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) {103} آل عمران

وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) {59} النساء

وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد وأبو داوود والترمذي" ... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ..."

وكذلك حدد الرسول صلى الله عليه وسلم طريق النجاة حين تختلف الأمة على ثلاث وسبعين فرقة في النار إلا واحدة وهم من كانوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه( ) وبين القرآن أكثر في قوله تعالى:] وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا[ {115} النساء

إذن لماذا لا ترد هذه الجماعات الإسلامية ما اختلفوا فيه إلى الكتاب والسنة؟ وأين هم من الحاكمية التي يدندنون حولها؟ أين هم من الآيات السابقة والأحاديث التي تنهى عن الإحداث في الدين وتحذر من التفرق . فالحاكمية عندهم من طرف واحد ، فهم حكام على الناس ولا يقبلون أن يحكم عليهم أحد ، أو على رموزهم .

ولماذا استبدلت هذه الجماعات الآية( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) {59} النساء

بالمقولة البدعية (نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه)!!! أليس هذا حكما بغير ما أنزل الله؟ فحكم الله في الخلاف هو رد الخلاف للكتاب والسنة، وحكم الخلاف عندهم تلك المقولة البدعية ، زد على ذلك اتباع الهوى وحب الزعامة وكذلك عدم الاطلاع على مناهج السلف جعلهم أي الجماعات على هذا الوضع الخطير .

وموضوع هذا الكتاب يحتاج لهمة أكبر وتعاون صادق ونية خالصة ولكنى اقتصر على سبيل المثال لا الحصر بعض المآخذ المنهجية المأخوذة من كتب الإخوان المسلمين التالية: 1- مذكرات الدعوة والداعية لحسن البنا .... دار الشهاب 2- مجموعة رسائل حسن البنا ... المؤسسة الإسلامية للطباعة والنشر بيروت 3- حقيقة التنظيم الخاص لمحمود الصباغ ... دار الاعتصام سنة 1989م 4- مع الأمام الشهيد حسن البنا لمحمود عساف ط. مكتبة عين شمس سنة 1993م 5- معالم في الطريق لسيد قطب ........ دار الشروق 6- العدالة الاجتماعية لسيد قطب ...... ط. دار الشروق 7- شهيد المحراب لعمر التلمسانى .... ط. التوزيع والنشر الإسلامية

مع ملاحظة أن العناوين الجانبية المميزة بعلامة النجمة من كلامي وليس من كلام مؤلفي الكتب المذكورة .

وعلى القارئ أن يتنبه أنني أذكر فقرة من هذه المصادر(الكتب) أو عبارة ، ثم اتبعها بنقاط ، فليرجع إلى أصل الكتاب ويقرأه كاملا وليس لبتر الكلام عن سياقه ، وإنما فعلت ذلك لعدم الإطالة من جانب ، ومن جانب آخر لأحدد موضع الشاهد عندي من كلام من ذكرتهم ، طالما أنه لم يخل بالأصل ولا بمضمون الكلام وعموماً ذكرت ذلك ابتداءً حتى لا يدّعي أحد أنني أتناول في نقدي كلاماً مبتوراً ، وبمطالعة بعض المآخذ سيتضح للقارئ أنني ما تقوّلت على الإخوان المسلمين ونسبت لهم كلاماً لم يدونوه أو يكتبوه فالكلام كلامهم بل كلام أكابرهم وليس أصاغرهم ولا كلام خصومهم أو كلام مكرهين كتبوه في السجون بل كلام كتبوه وهم أحرار وفي كامل أهليتهم، وبعد خروجهم من المعتقلات .

إننا نعرض منهجهم على منهاج الأنبياء في الدعوة إلى الله ومدى بعد منهج الإخوان عن هدى السنة النبوية ، وأرجو أن يكون هذا الجهد المتواضع لله وحده ، وبدافع تأمين الدعوة والمجتمعات الإسلامية من الفتن وأسبابها . ولنحمي شبابنا من الغلو والتطرف ، وليعلم من لا يعلم الحقيقة المجردة وليساهم الكل بحسب علمه وطاقته في تصحيح مسار الدعوة الإسلامية المعاصرة لتعود مرة أخرى إلى منهاج الرسل عليهم الصلاة والسلام ، فالحمل ثقيل ولا يحتمل التأخير في التصحيح حتى لا ندفع الثمن غالياً مرة أخرى بعد مرات سابقة .

قال تعالى: ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) {165} آل عمران

وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) {105] المائدة

وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ){135} النساء

وقال تعالى: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) {63} النور

وليس بيني وبين الإخوان المسلمين كأفراد خصومات شخصية بل خصومتي معهم ومع غيرهم ممن سار على دربهم خصومة عقائدية منهجية .

فإن أثبت الإخوان وأعلنوا خلاف ما أسوقه فسوف أتراجع وأعلنه للناس ، ولكن هيْهات هيْهات فالكتب كتبهم والكلام كلامهم والأفعال أفعالهم فلم أتجن عليهم ، وأترك القارئ يتأمل ما سأنقله عنهم فلعله يستطيع بنفسه أن يدرك خطورة هذا الفكر .

وقد يتعاطف أصحاب النية السليمة مع الإخوان ويتساءلون لماذا يتم هذا الطرح علانية وفى مثل هذا الوقت ؟! أقول لأن الوقت الراهن هو عين الوقت المناسب بعد هذا الضياع الدعوي وتلاحق الفتن تلو الفتن وبنفس الأسلوب وتتوالى النكبات تلو النكبات ولا مجيب لصيحات التحذير من هذه الأفكار والمناهج التي تنكبت طريق الأنبياء .

ثم جاءت خاتمة هذا الفكر بظاهرة أسامة بن لادن تكرر نفس المنهج ، ليس على المستوى الإقليمي ، بل على نطاق عالمي ، جر فيه الأمة إلى معركة طاحنة ، لم تستعد فيها إيمانياً ولا مادياً ولا عسكرياً فكانت النتيجة هي المأساة القائمة الآن .

كما أن كتب الإخوان تُنشر وتُباع في مصر وخارجها وقَلًّ من يُحذِّر ويُنْذِر – وطالما الكتب ُتباع وُتنشر وُتقرأ – فما الذي يمنع التعرض لها بالنقد وبيان الخلل ، فإنه من الخلل عرض هذا التساؤل أصلا ، لأن كتب الإخوان ليست كتباً معصومة ، وكلٌ يُؤخذ من كلامه ويُرد إلا رسول الله e كما أنه آن الأوان لكسر هذه الأغلال التي وضعها الإخوان على عقول الشباب طوال أكثر من نصف قرن ، وآن الأوان لدفع هذا الإرهاب الفكري الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين ، فلم يكن هناك بُد من نشر أخطار أفكارهم المخالفة للأدلة الشرعية ومنهج الأنبياء في الدعوة إلى الله وذلك لِيَحْيَيَ من حَيَّ عن بيَّنَةٍ ويهلكَ من هلك عن بيّنة .









كتبه / الشيخ / محمود عامر
أنصار السنة فرع دمنهور- مصر