الأربعاء، 21 مارس 2012

نهاية المطاف؛ خلاصة تجربتي مع الإخوان المسلمين

سم الله الرحمن الرحيم

مقدمة في ضرورة النقد البنّاء:

إنّ معظم شباب الصحوة الذين ينتمون الى الجماعة أو يتعاطفون معها يصعب عليهم أي نقد يوجه إليها، ويرون أن ذلك ينبغي أن يُصرَفَ إلى من هو أولى وأهم؛ كنقد العلمانيين والماسونيين والطغاة المتسلطين الذين يرفضون تحكيم شريعة الله.

وإنَّنا نقول لهؤلاء...

إنَّ تلك القضايا مهمة جداً وهي بحمد الله لا تشكو من الإهمال بل تشكو من الإغراق، لكن في المقابل قَلَّ مَنْ يتعرض لمنهج الجماعة أو منهج بعض الدعاة بالنقد، فهل هؤلاء الدعاة معصومون؟!

إنَّ قول كلمة الحق مع وجود النصح والمحبة، وبالمقابل تقبلها من الجماعة؛ يؤدي إلى نتائج باهرة وتَقَدُم سريع بإذن الله في ميدان الدعوة.

* * *
إنّنا نقول...

أولاً؛ ينبغي أن يعلم أؤلئك الغيورون أنَّ المطالبة بالسكوت على الانحرافات والأخطاء في تلك المناهج يعني ببساطة إقرارها على ما هي عليه من الانحراف عن المنهج، والتخبط الدعوي، وإطالة عمر الفرقة والاختلاف والتحزبات والتكتلات التي فرقت الشباب وجعلتهم أحزاباً وشيعاً يستضعف بعضهم بعضاً.

ونستغفر الله إن صَحِبَ هذا النقد شيءٌ من الزَّلَل أو الخشونة غير المقصودة، وإن حصل شيءٌ من هذا فلأنه – كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -: (المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقلع الوسخ إلاَّ بشيٍ من الخشونة، لكنّ ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما نحمد معه ذلك التخشين) [2].

1) هناك تناقضٌ بين أصل الدعوة وتصرفات بعض القادة، فمنها أنّه رغم كون منهج الجماعة قائم على أنّ الحكم بغير ما أنزل الله شرك تجب محاربته، والبراءة منه، إلاَّ أن هذا الكلام النظري ليس له مساحة حقيقية من الواقع فإنّك تجد أنَّ "كبار القادة" في التنظيم لا يتبرؤون من هذه القوانين الوضعية إلاَّ نظرياً، فتجد أكثرهم لا يمانع أن يشارك في تولي المناصب القضائية العليا التي تحكم بغير ما أنزل الله.

2) ومن المخالفات العقائدية التي يقع فيها كثير من قادة التنظيم هو أداء ما يُسَمَّى بـ "القسم الدستوري" ساعة دخولهم للمجالس التشريعية حيث يؤدونه أمام الناس ونصه: (اقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للوطن، ولرئيس الدولة؛ وأن أحترم الدستور، وقوانين الدولة، وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله وأؤدي أعمالي بالأمانة والصدق).

فعجباً لمسلم يتجاهل الإخلاص لله، ويُقسِمُ ان يكون مخلصاً للوطن، ولرئيس الدولة، ومحترماً للدستور الوضعي الكُفري العلماني.

فما معنى الإخلاص للـ "زعيم" وهو لا يحكم بشرع الله؟

وما معنى "الذود عن حريات الشعب" إذا كان فيهم نصارى، ونصيريون واسماعيليون، ورافضة، وعلمانيون، وملحدون، وغيرهم؟!

فإنّ على النائب "الإسلامي" أن يحترم حرية التعبير عن تلك العقائد لهؤلاء جميعاً بل يُقسم بالله على ذلك [3].

فأيَّ مصلحة للدعوة تُرجَى من وراء هذه المجالس التي يُقسِمُ فيها أولئك "الدعاة" على أن يحكموا بغير القرآن؟!

وأين عقيدة الكُفْر الطاغوت من هؤلاء؟!

3) إنّ من "الدعاة" داخل الجماعة من يتمسح بالقبور والأولياء من الأموات والأحياء ويطلب منهم كشف الضر وجلب النفع [4].

4) وهناك – مع كل أسف – من كبار الدعاة أو ممَّن يزعمون أنّهم دعاة مَنْ يؤخر الصلاة الفريضة عن وقتها دون ضرورة أو لا يهتم بصلاة الجماعة، أو يستحل أكل الربا أو يستحل سماع الأغاني والموسيقى، أو يقتني الصور المجسمة أو يعلق الصور الفوتغرافية، أو يدخن، أو يشاهد التلفاز مع عائلته دون قيد أو شرط، فإنّ مثل هذه الأخطاء الشخصية لا تُنْتَقَدُ على الجماعة إلاَّ بعد أن تكون ظاهرةً عامَّةً وقد صارت - تقريباً - بالنسبة لكبار قادة التنظيم.

5) إنَّ المنهج يختلف عن الوسيلة.

فالمنهج؛ قواعد وأصول "ثابتة" تقوم عليها الدعوة، لا تتبدل ولا تتغير في أي مكان أو زمان.

أمّا الوسائل؛ فهي مسائل اجتهادية "متغيرة" تختلف باختلاف الزمان والمكان، فإذا لم تُقصَد لذاتها، ولم تُخالِف الشريعة في شيء من جوانبها فهي مباحة.

وهنا أود التنبيه إلى أن الجماعة ليس لها منهج واضح كما أسلفتُ في فقرة "1"، وهو أنّ نظريات الجماعة شيء، وواقعها شيءٌ آخرٌ وليس بينهما [ترابط].

6) إنّ الجماعة قد صارت متعددة إلى جماعات، والتعدد دليل الاختلاف وعدم وجود الثوابت – أو وجودها نظرياً - وتعدد التعدد دليل على ضراوة الاختلاف وانعدام الثوابت، والحقيقة أن الاختلاف نتيجة حتمية لاضطراب الأصول التي صارت تنفرد بها كل جماعة وتدعو إليها وتًقيم جماعتها عليها، وهذا يناقض قاعدة الشرع المطردة من "أن الحقَّ واحد لا يتعدد".

إنّنا نريد أن نقول أن وحدة الصف اليوم هي ضرورة الوقت التي يجب أن نلتفت إليها، ولكن شيئاً من هذه الوحدة لن يتحقق طالما أنّ كل "جماعة" من "الجماعة" ستعمل على ضوء "فهمها الخاص"، فما لم تلتق هذه الجماعات على ضوء "فهم السلف الصالح" للكتاب والسنة فإنها لن تلتقي أبداً.

7) غياب العلم الشرعي بين أكثر القادة الذين يتولون الأمور، فرغم الزمن الطويل لهذه الدعوة فإنها ما زالت بعيدةً عن استقطاب الكفاءات العلمية القادرة على تأصيل القضايا الدعوية وإرجاعها إلى الكتاب والسنّة وتسليمهم دفة القيادة، بل إن الجماعة استمرت في تقرير مناهجها على كثير من الاستحسانات "العقلية" والاجتهادات الفردية دون أن تقدم الجديد من التطوير أو التغيير الذي يضبط عملها ويوجه مسارها.

(وأخشى ما نخشاه في حال عزل منهج أهل السنة والجماعة عن واقع الدعوة ومشكلات الأمة أن يحصل لنا ما حصل لغيرنا، فحينما نُحِّيَ هذا المنهج واًسْقِطَ دور العلماء الربانيين في حفظه والدعوة إليه، "... اتخذ الناس رؤساء جهلاء فسُئِلوا فأفتَوا بغير علمن فضلوا وأضلوا"، فافرز ذلك كله سلبيات كثيرة ومشكلات خطيرة، سبيل تحقيق الهدف... فلا بُدَّ من تسليم قيادة الركب للعلماء الربّانيين، فهم الذين نطقوا بالقرآن ونطق بهم، وهم ورثة الأنبياء الذين ينفون عن الدين تأويل الغالين وانتحال مبطلين وتأويل الجاهلين، فهم سمع الأمة وبصرها والنور الذي تهتدي به.

والحركة ما دامت إسلامية فإنّ "علماء الإسلام" هم الذين يجب أن يوجهوا دفّتها، وإلاَّ فالبناء بدونهم هدم وتخريب، فالعلماء للدعوة أئمة يقودونها إلى الهدى ويجنبونها الردى.

وحال أكثر شباب الصحوة الانصراف عن العلم الشرعي ومعرفة أصول أهل السنة إلى كُتب فكرية لا يعتمد كثير منها على منهج السلف، فتأثر بمثل هذه الأفكار ناشئةٌ طيبة تحكمها العواطف والرغبة في الخير وعز الإسلام مع قلة البضاعة في العلم الشرعي، وضعف في الفقه والدين وجهل بأصول السّلَف ومناهجهم وهديهم وآثارهم) [5].



* هذه الكلمات كتبها الشيخ الشهيد "أبو سجاد الدَّيالي"، سطَّر فيها خُلاصة تجربته مع تنظيم الإخوان المسلمين، وقد جعلها – رحمه الله – على شَكل فقرات جمع فيها مآخذه على هذا جماعة الإخوان المسلمين من خلال ما عاينه بنفسه قبل مفارقة التنظيم، بعد أنَّه قضى وقتاً طويلاً معهم، وقد كان من دعاة الإصلاح الداخلي ولكنه اكتشف أنّ الأمر أكبر من أن يقوم بمعالجة الخلل في منطقة أو اثنتين، بل ان الخلل يتمثل في أصول هذه الجماعة التي جعلت بوناً شاسعاً بين المناهج النظرية والواقع العملي، حتى صارت لا تتوانى عن ارتكاب أعظم نواقض الإسلام تحت دعوى جلب المصالح ودفع المفاسد.
يُذكَر أن الشيخ قد قدَّمَ هذه المآخذ والمقترحات إلى "جماعة الإخوان" قبل تركه لها ولكنها لم تجد أُذُناً صاغية، فما كان منه إلاَّ أنْ ترك التنظيم، وبقي بُرْهَةً من الزَّمَن لا يدري أين يتّجه حتى سهَّل الله تعالى له اللقاء ببعض أعضاء القاعدة أثناء سفره لإحدى الدول، وهناك كانت نقطة التحول الجديدة، حيث أنه وَجَدَ ضالته في ما صار يُسَمّى اليوم بـ "السلفية الجهادية"، وفي فترة قصيرة صار الشيخ صادعاً بملّة التوحيد والجهاد، ثم رجع إلى بلده وكان الغزو الصليبي في بدايته لأرض الرافدين، فشمَّر الشيخ عن ساعده وانطلق داعياً إلى التوحيد، مجاهداً في سبيل الله، واستمر على هذا الطريق حتى رزقه الله تعالى الشهادة في سبيله – نحسبه كذلك الله حسيبه -

[2] شيخ الإسلام ابن تيمية والعمل الجماعي.

[3] الإسلاميون وسراب الديمقراطية: عبد الغني الرحّال.

[4] انظر كتاب تربيتنا الروحية لكاتبه سعيد حوى.

[5] د. ناصر العقل.